تاريخ صناعه العطور

7 مايو 2025
Mahmoud AbdElmonien
تاريخ صناعه العطور

صناعة العطور من أقدم الفنون التي عرفها الإنسان وهو يمتد عبر آلاف السنين قبل الميلاد. لم يكن العطر مجرد وسيلة لتعطير الجسد بل كان له دور أساسي في الطقوس الدينية والمعتقدات الروحية وفيما بعد أصبح عنصرًا من عناصر التجميل والترف.

تبدأ قصة العطور مع الحضارات القديمة وعلى رأسها مصر القديمة حيث كان المصريون يستخدمون الزيوت العطرية المستخرجة من النباتات مثل المر واللبان والقرفة وزهر اللوتس في المعابد أثناء الطقوس الدينية لتحية الآلهة وكانوا يحرقون البخور لتعطير الأجواء المقدسة. كذلك لعب العطر دورًا مهمًا في تحنيط الملوك إذ كانوا يضعون العطور والزيوت في أكفان الموتى للحفاظ على أجسادهم من التحلل.

في بلاد ما بين النهرين وخاصة لدى السومريين ظهرت أولى الوصفات المكتوبة لصناعة العطور حيث مزجت الزيوت النباتية بالعطور الطبيعية لصناعة خلطات معطرة. وفي الحضارة الفارسية تطورت صناعة العطور بشكل ملحوظ وأصبح للعطر مكانة بارزة في الحياة اليومية وفي الطقوس الدينية.

الهند القديمة أيضًا لعبت دورًا في تطوير العطور إذ استخدم الهنود خشب الصندل وزيت الورد في الطقوس الدينية والتأمل كما اعتمدت الصين القديمة على النباتات العطرية لتعطير الملابس والمراوح اعتقادًا بأن الروائح الطيبة تجلب الصحة والنقاء الروحي.

مع ظهور الحضارة الإسلامية شهدت صناعة العطور قفزة نوعية حيث طور العلماء المسلمون تقنيات التقطير بالبخار وهي طريقة مبتكرة لاستخلاص الزيوت العطرية النقية من النباتات والزهور ويعتبر العالم العربي ابن سينا من أبرز العلماء الذين أسهموا في هذا المجال. ازدهرت أسواق العطور في المدن الإسلامية الكبرى وامتدت شهرتها لتصل إلى أوروبا عبر طرق التجارة والحملات الصليبية.

في العصور الوسطى الأوروبية أصبحت العطور وسيلة للوقاية من الأمراض إذ كان يُعتقد أن الروائح الكريهة تنشر الأوبئة لذلك شاع استخدام العطور والماء المعطر في الحمامات العامة والبيوت. خلال عصر النهضة ازدهرت صناعة العطور في إيطاليا وفرنسا حيث كانت الطبقات النبيلة تتنافس على اقتناء أجود أنواع العطور وكانت مدينة غراس الفرنسية تتحول إلى عاصمة صناعة العطور الأوروبية بفضل حدائقها الغنية بالأزهار.

مع حلول القرن التاسع عشر شهدت صناعة العطور ثورة كبرى بفضل التقدم الكيميائي إذ بدأ إنتاج المركبات العطرية الصناعية مما أتاح تصنيع كميات ضخمة من العطور بتكلفة أقل وبجودة متنوعة وظهرت بيوت العطور العالمية الشهيرة مثل جيرلان وكوتي وظهرت عطور خالدة مثل شانيل رقم 5 التي أصبحت أيقونة في عالم الموضة والجمال.

أما اليوم فقد أصبحت صناعة العطور صناعة عالمية بمليارات الدولارات تنتج آلاف التركيبات العطرية سنويًا ويدخل فيها المزج الدقيق بين النوتات العليا والوسطى والقاعدية لتحقيق تجربة حسية معقدة تعبر عن الهوية الشخصية والمزاج. كما ظهرت توجهات جديدة نحو العطور الطبيعية والمستدامة حفاظًا على البيئة وزاد وعي المستهلكين بالتركيبات المكونة للعطور وجودتها وأثرها الصحي.

باختصار يمكن القول إن تاريخ صناعة العطور هو مرآة تعكس تطور الإنسان عبر العصور بدءًا من الرغبة في إرضاء الآلهة وصولًا إلى البحث عن الجمال والتعبير عن الذات وتظل الروائح رغم مرور الزمن قادرة على إثارة الذكريات والمشاعر وربط الماضي بالحاضر.